فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: خلال اليومين الأخيرين، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بحملة تضامنية مع الأسيرات الفلسطينيات اللواتي تعرضن لحملة اعتداء غير مسبوقة ووحشية من قبل الاحتلال وإدارة سجنه في الدامون، وما وثقته مؤسسات الأسرى من ضربٍ وسحل ونزع لحجاب الأسيرات، البالغ عددهن 32 أسيرة، إلى جانب عزل ثلاثة منهن وهنّ شروق دويات ومرح بكير ومنى قعدان.
ووسط هذه الحملة الشرسة ضد الأسيرات، وما قابلها من تضامن فلسطيني شعبي معهن، لوحِظَ غياب المؤسسات النسوية في التضامن مع الأسيرات وقصور في تعاملها مع الاعتداء عليهن، أو حتى إدانة الاعتداءات واستنكارها، ما يفتح الباب حول سبب غياب المؤسسات النسوية عن ملف الأسيرات الفلسطينيات.
في حديثها لـ "شبكة قدس"، تقول وزيرة شؤون المرأة السابقة هيفاء الآغا: "جميعنا مقصرون في حق الأسيرات والأسرى، والمؤسسات النسوية مقصرة كذلك، خاصةً أن الهجمة الآن متركزة على الأسيرات، اللواتي يمثلن شرفًا للأمة، ويجب أن يكون للمنظمات النسوية حراكٌ في ذلك، وألا تغادر الشارع".
وترى الآغا أن تمويل المؤسسة له دور في ذلك، وتضيف: كل مؤسسة لها أجندة وهذا ليس اتهامًا وهو ليس سرًا، وكثيرًا ما تخضع المؤسسات النسوية وغير النسوية لأجندة المتبرع أو الممول.
وتستذكر وزيرة شؤون المرأة السابقة: "خلال فترة توليّ الوزارة، رفضت مؤسسة دولية تمويل إحدى حملاتنا لأن الشعار يتحدث عن اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحق المرابطات في المسجد الأقصى، واشترطوا حذف كلمة الاحتلال الإسرائيلي من الحملة، ما دفعنا حينها إلى التوجه لإيجاد طرق تمويل ذاتية".
بدوره، يعزي مستشار التمويل الدولي سامر جابر عدم انخراط المؤسسات النسوية في القضايا الوطنية مثل موضوع الأسيرات إلى أن هذه المؤسسات تعمل وفق مشاريع معينة، وفي حال عدم توفر تمويل لقضية ما يتم إهمالها.
ويوضح جابر في حديثه لـ "شبكة قدس": "هذا يعني أن هذه المؤسسات مرتبطة بإطار عمل التمويل الدولي، والذي هو مشروع سياسي أساسه حل الدولتين على أساس سلمي ولا عنفي، ونحن نتحدث عن مؤسسات نسوية نيو ليبرالية وليس عن مؤسسات وطنية، حتى إن كان بعضها بتاريخ نضالي سابق".
من جانبها، تقول أستاذة علم الاجتماع بجامعة بيرزيت والأسيرة المحررة رلى أبو دحو: "للأسف، قضية الأسيرات ليست دومًا على رأس أولويات المؤسسات النسوية، ولكن حتى نكون موضوعيين، أحيانًا يتم التطرق لها، وتكرّم بعض الأسيرات من المؤسسات النسوية، ولكن ليس بما هو مفروض أن تقوم به المؤسسات النسوية تجاه المرأة الفلسطينية الأسيرة.
وتتابع أبو دحو حديثها لـ "شبكة قدس": البعض لا يريد أن يخسر تمويله، ويتعامل كأنه لا يرى هذه القضية، ويعمل بعمىً اختياري وانتقائي بعدم تناوله القضايا الوطنية، وهذه الأمور أصبحت واضحة، واشتراطات التمويل خاصة في السنوات الأخيرة باتت تتعامل مع مقاومتنا الفلسطينية كإرهاب، وهو ما انعكس على الكثير من هذه المؤسسات التي ترتبط مصلحتها باستمرار التمويل لها، واستمرار امتيازاتها داخل هذا التمويل".
وتستدرك أبو دحو بأن التمويل الأجنبي موجهٌ أساسًا لأي نشاطات لا تحدث فرقًا داخل المجتمع الفلسطيني، وعلى العكس، فإن العنف ضد النساء، الذي يوجه التمويل بشكل كبير لمحاربته، يشهد تصاعدًا.
أوسلو.. الفارق في المعادلة
"قضية الأسيرات من ضمن قضايا النضال الوطني الفلسطيني الذي أسقطه البعض بعد أوسلو، ولم يعد جزءًا من أجندته الوطنية، أي أن الأسيرات اعتقلن على خلفية مقاومة الاحتلال، وقد أسقط الكثير هذه المفردة من أولوياتهم، وبالتالي لا يعنيهم هذا الموضوع أو إبرازه"، تشير أستاذة علم الاجتماع أبو دحو.
وتؤكد على أن "الأسيرات بإرادتهن القوية والصلبة يستطعن كسر هذا السجان، والمطلوب أن توجه الجهود للضغط على هذا العدو الفاشي لكف يده على هذا القمع الذي جرى بحقهن".
في الأثناء، ترى أستاذة الإعلام في جامعة بيرزيت والأسيرة المحررة وداد البرغوثي أن الحركة النسوية قبل أوسلو، ليست ذات الحركة بعد أوسلو، إذ كانت الحركة النسوية قبل أوسلو مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالحركة الوطنية وبهدف التحرر الوطني، وكان يغلب على عمل النساء في تلك المرحلة وما يسبقها طبيعة العمل التطوعي.
وبحسب البرغوثي، فإن الحركة النسوية تحولت بعد أوسلو إلى مؤسسات عمل أهلي، وباتت المؤسسات تعمل بشكل أساسي على استقطاب التمويل للمشاريع والفعاليات التي يرضى عنها الممولون، وبالتالي لم تعد قضية الأسيرات أو القضايا الوطنية هي القضايا الأساسية لهذه المؤسسات.
وتشدد البرغوثي في حديثها لـ "شبكة قدس" على أن قضية الأسيرات أو القضية الوطنية ليست من ضمن أولويات الممولين، خاصة أن الممولين هم من الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوروبية أو الدول الاسكندنافية، فبالتالي أولوياتهم تختلف تمامًا عن أولوياتنا كشعب فلسطيني يعيش تحت الاحتلال.
مؤسسات الأسرى في دائرة الاستهداف
في سياق آخر، يشير الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، إلى أن الاحتلال حارب المؤسسات التي تُعنى بالأسرى منذ فترة طويلة، ومن ضمن ذلك إغلاق بعض المؤسسات مثل مؤسسة أنصار السجين في الماضي، وحاول التضييق على الحوالات المالية المخصصة للأسرى.
فضلًا عن ذلك، يضيف عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس": "أخذ الاحتلال يضغط على السلطة للتقليص من صلاحيات وموازنات المؤسسات التابعة لها والتي تعنى بقضية الأسرى، مثل نادي الأسير ووزارة الأسرى التي تحولت إلى هيئة شؤون الأسرى، واستهدف عددًا من المؤسسات الأخرى ووسمها بالإرهاب مثل مؤسسة الضمير التي ادعى أنها تتبع للجبهة الشعبية".